الخميس، 12 سبتمبر 2013

منتصر الزيات يكتب : من يراجع من؟ (3)

أحد أصدقائى المحترمين رجل أعمال قبطى مستنير، روحه لم تزل من تلك التى خفتت أو خفت صوتها هذه الأيام،
وقت أن كنا لا نعرف هذه القسمة فى بلادنا، دخل علىّ مكتبى فى الأسبوع الأخير من يونيو الماضى باغتنى بقوله أفكر فى نقل استثماراتى وأسرتى خارج مصر ما رأيك؟ نزل علىّ سؤاله صادماً لم ينتظر رداً واستطرد فى كل الأحوال لا يستطيع أحد أن يتوقع ما الذى يمكن التكهن به بعد 30 يونيو سقط الرئيس مرسى أو لم يسقط، كانت الفكرة المسيطرة عليه تزايد فرص نشوب حرب أهلية فى مصر!!
وجه الغرابة أن صديقى هذا من أقباط مصر الذين سعدت بمعرفتهم لتمسكه بوطنه وتمسكه رغم كل ما يجرى بالروح المعتدلة فى كل شؤونه، ويمكن لقربى منه وعيت هذه السماحة فى شركته، حيث يختلط فيها المسلمون مع المسيحيين. اكتفيت بنصحه بالتريث وعدم الاستسلام لهذه الأفكار فى ظروف غير طبيعية ونصحته بإجازة لفترة وجيزة. عاد الأسبوع الماضى وسألنى عن سبب التوسع فى الاعتداء وحرق كنائس فى مدن ومحافظات شتى حتى بلغت خمسين كنيسة؟ فغرت فاهى مندهشاً فقد كنت أعتقد أن عددها (14) فقط وحتى هذا الرقم كنت أعده كبيرا جداً.
استمعت إلى إفادات بعض القيادات الكنسية فى بعض هذه الكنائس عبر الفضائيات يلقون باللوم على المؤسسة الأمنية التى لم تعط اهتماماً يُذكر بحماية دور العبادة المسيحية فى ظروف كالتى مررنا بها، كما أنها لم تستدرك ذلك بعد وقوع الاعتداءات، كما أشار بعضهم أيضاً إلى تورط «بلطجية» هجموا بقصد السرقة والاستيلاء على تحف أو منقولات ثمينة، وأشار باحثون إلى إمكانية تورط «جهات» تسعى لإحداث الوقيعة والفتنة الطائفية بغية إلصاقها بالإسلاميين.
أياً كانت الأسباب حسبما تراوحت فى الإفادات التى أشرنا إليها فذلك كله لا يمنع من ضرورة مراجعة ضوابط العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر والوصول إلى مكامن الخلل فيها بروح تسعى إلى استعادة سلوك الماضى المتسامح باعتباره الجانب الإيجابى فى عملية المراجعة أكثر من مجرد التركيز على لقاءات رجال الدين وارتشافهم أقداح القهوة أو موائد إفطار الوحدة الوطنية.
كان والدى رحمه الله صديقاً لمطران كنيسة أسوان، حيث كنا نعيش، كانت «مارسيل» صديقة شقيقتى تبيت فى بيتنا وتذهب شقيقتى لبيتهم بلغة العصر «أنتيم»، كان مجدى بهيج صديقاً لشقيقى هكذا تتشابك الأواصر بين المسلمين والمسيحيين دون حساسيات، سرت على ذات النهج فجارى «باسم» أهديه من «أضحيتى» ويهدينى «تورتة» فى عيده.
تميزت مصر عبر عصورها بهذا الدمج بين سكانها، لم يكن لدينا ولن يكون أحياء للمسيحيين تنبئ عن حالة الانعزال أو الطائفية، تتشابك بيوتاتنا داخل العقار فالجار يلامس الجار «الحيط فى الحيط» كما يقولون، هذه السماحة هى التى غابت بشكل كبير ويتعين علينا فى حال المراجعة أن نبحث فى أسبابها، لا يمكن أن يكون التدين سبباً، ذلك محال، الدين يهذب السلوك يضبط إيقاعه يمنعه من التورط فى تعصب أو عدوان، فالإسلام دين يكرس المبادئ والأخلاق الحميدة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»
لا يمكن أن ُيقْدم على حرق كنيسة مسلم يعرف ربه ويؤمن بنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يقول «ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ منه، فأنا حجيجه يوم القيامة». وقال أيضا: «من قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً».
أظن أن كلاما كثيراً يمكن أيضاً أن نقوله لأشقائنا من المسيحيين فى مصر أهمه أنهم شركاء فى الوطن ليسوا ضيوفاً فيه، لكنى أرجح أن الواجب الأكبر يقع على عاتق وجهاء المسلمين ومثقفيهم وعلمائهم، فعليهم دور فى استرجاع الثقة التى باتت مفتقدة، علينا أن نشجع الناخب المصرى المسلم فى اختي
ار المرشح بحسب كفاءته، على الأحزاب أن تدعم ترشيح «الأقباط» على قوائمها ليسوا بحسبهم «مسيحيون» وإنما على اعتبار الكفاءة والانخراط فى العمل السياسى أو النقابى.
ألقى «إسلاميون» كُثْر باللائمة على مسيحى مصر أنهم نزلوا فى «30 يونيو» مطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة؟ وظنى أنهم افتقدوا الصواب بحسبان ذلك حقا أصيلا لمواطنين مصريين، مثلما كان التكتل الإسلامى يرمى إلى تثبيت «مرسى» فهذا كذاك.
الكلام كثير والمساحة لا تسعفنى لكن الأقباط أيضاً مطالبون بأن تكون مطالباتهم تعتمد على المواطنة لا الطائفية، عليهم التخفف من الاصطفاف روحا عدائية للتيار الإسلامى، فالإسلام هو الخلفية الحضارية فى مصر ولست بحاجة إلى سرد الأصول التاريخية التى تؤكد حمايته للأقباط مع وصول عمرو بن العاص وتمكينه الأنبا بنيامين من رئاسته للطائفة المسيحية، ليست هناك مشكلة مع هوية الوطن الذى أنتم أحد مفرداته ومكوناته.

إضغط إعجاب لمتابعة آخر الأخبار والحصريات عبر فيس بوك
إضغط إعجاب أو Like وتابع أحدث المنشورات التى تتناول جميع أركان حياتك






0 التعليقات:

ضع تعليقك المناسب على الموضوع


إرسال تعليق